الإسلام والتنوع الثقافي: نحو تعزيزالقيم المواطنة والتعايش

بقلم: اسكندر ذو القرنين
إن الإندونيسية بلادٌ تتميّز بتنوّعها الثقافيّ (التي نسميه الآن باسم “Multiculturalism”). فهي تجمع بين أكثر من ١٧۰۰۰ جزيرةٍ ومجتمعٍ يتكلّمُ بأكثر من ٧۰۰ لهجةٍ مختلفةٍ. وتتنوع الثقافات في الإندونيسية من حيث اللغات والفنون والتقاليد والديانات والأعراف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وغيرها من المجالات. وهذا التنوع الثقافي هو الذي يجعلهم مختلفين عن بقية دول جنوب شرق آسيا.
إن هذا التنوع قد يكون بمثابة قوة أخوية إذا تمت إدارتها بشكل ممتاز. ومن ناحية أخرى فإن هذا المكون قد يكون لديه قوة كامنة الهائلة على ولادة الصراع المدمر بين الناس. وكم نجد واقعات الصراع بين الناس التي كان سببها الاختلافات في الدين أو الثقافة أو اللغة أو المصالح السياسية. فنحن نرى العديد من الأمثلة لهذه الصراعات كما وقع في بوسو (Poso) وأمبون (Ambon)، الذي ينطوي على صراعات بين المسيحيين والمسلمين. وهذه الصراعات التي سببها اختلاف الديانة كانت تؤدي إلى المفسدات والمهلكات هنا وهناك.
ولأجل ذلك, فإننا بحاجة إلى تعزيز قيم المواطنة والتعايش بين أفراد المجتمع تحت ظل الإختلافات العرقية والدينبة والثقافية, حتى نتمكن من الحصول على الحياة الإجتماعية الآمنة السلمية. وإن هذا لأمرٌ مهم للحفاظ على الاستقرار والتقدم في المجتمعات.
التنوع الثقافي في الإسلام
لقد أدرك الإسلام مظاهر التنوع والاختلافات بين الناس منذ العصر النبوي. وكان الإسلام حينئذ لا ينكرها بل يتعامل معها بأفضل التعامل وفقا لما ينبغي ويفترض. فالنبي، مثلا، عندما وجد في يثرب (التي تعرف الآن ب-المدينة) طوائف وجماعات متنوعة من حيث الدين والعرق واللغة، قام بتنظيم العلاقة البشرية نظاما عاما الذي كان غرضه الأول تحقيق التعايش السلمي.
والإسلام آنذاك لا تتسم بأي تفضيل لأي فرقة ما. بل كان يعامل كل فرقة بالعدل والمساواة. فمن حيث التنوع الديني، مثلا، كان الإسلام يعترف بوحود ديانات أخرى غيره ويتعامل معهم بحسب وضعهم ووجودهم بين المسلمين.
يوجد في القرآن آيات بينات في ما يخص التعددية والتنوع, كقوله تعالى ﴿وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْعَٰلِمِينَ﴾ وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. هاتان الأيتان تدلان على أن التنوع والتعددية سنة من سنن الله في هذا الكون. وإن فيهما إشارة إلى أن التنوع والتعددية أمران تستحقان الاعتراف والاحترام ولا بد لكل مسلم أن يراعيها أيما المراعاة. فإن الله لم يخلق الإنسان مختلفا ألوانهم وألسنتهم وقبائلهم ودياناتهم إلا ليتعارفوا بعضهم ببعض.
كيف نحقق التعايش السلمي تحت ظل التنوع الثقافي؟
لقد واجهنا –كشعب البلاد الإندونيسية – كثيرا من مظاهر التنوع الثقافي كما عرف. وإننا بحاجة ماسة إلى التعايش السلمي والحياة المتسامحة بين الناس. والسؤال الآن, هل يمكن لنا أن نحقق التعايش السلمي تحت ظل التعددية والتنوع؟ وكيف السبيل؟ فالجواب أن تحقيق التعايش السلمي تحت ظل التعددية والتنوع أمر ممكن لا محالة. وعلى الرغم من ذالك, فإن السبيل لتحقيقه قد يكون صعبا علينا ويحتاج إلى بذل جهد كبير. فإن التعايش السلمي هو أمر كبير لا يدرك بسرعة بين فجر وضحاها.
هناك دعائم ومميزات يجب علينا كمسلمي بلاد الإندونيسية أن نتمسك بها لكي نستطيع أن نحقق حياة سلمية ومتقدمة. وهذه الدعائم تتكون من سبعة أمور كما يذكر لاحقا:
۱.الإسلام جاء رحمة للعالمين
۲.الإسلام الذي يحتمل العرف
۳.الإسلام المتعدد
٤.الإسلام الميسر للأمة
٥.الإسلام المؤيد للتجديد
٦.الإسلام المتمسك بأصوله